«الإيكونوميست»: العنف ضد النساء في أمريكا اللاتينية بلغ مرحلة خطيرة
بعد ضرب السيدة الأولى في الأرجنتين
في الأول من أكتوبر الجاري، شهدت المكسيك لحظة تاريخية مع تولي كلوديا شينباوم منصب أول رئيسة للبلاد، حيث أكدت ضرورة التحول الاجتماعي وتحسين وضع النساء في المجتمع.
وحرصت شينباوم على إرسال مجموعة من مشاريع القوانين إلى الكونغرس تهدف إلى تحسين وضع النساء في البلاد، وفقاً لمجلة "الإيكونوميست".
وفي الطرف الآخر من القارة، اتُهم الرئيس الأرجنتيني السابق ألبرتو فرنانديز بالعنف المنزلي، ما أثار صدمة في المنطقة.
وبحسب "الإيكونوميست"، تم العثور على صور على هاتف سكرتيرته السابقة، فابيولا يانيز، تظهرها وهي تعاني من كدمات على وجهها وجسدها.
وكشفت الملفات الصوتية المسربة عن حديث فرنانديز، والذي قال خلاله للسيدة الأولى السابقة: "اذهبي إلى الجحيم، أنت وأولادك، أيتها الغبية".
وينفي فرنانديز جميع التهم الموجهة إليه، ما يجعل القضية تبرز الفجوة بين الخطاب والواقع في ما يتعلق بمعاملة النساء في أمريكا اللاتينية.
فجوة بين القوانين والواقع
وأقرت العديد من بلدان أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة قوانين تهدف إلى مكافحة العنف المنزلي، وتم إنشاء ملاجئ لضحايا الاعتداء، وتزايدت الخطوط الساخنة للإبلاغ عن الجرائم، ومع ذلك تظل النتائج مخيبة للآمال.
على الرغم من انخفاض عدد عمليات قتل النساء في بعض الأماكن، ارتفعت جرائم قتل النساء في منازلهن بنسبة 9% حتى عام 2020، ويظل العنف المنزلي شائعًا في بعض البلدان، حتى بالنسبة لمستوى تطورها.
تشير الإحصاءات إلى أن أمريكا اللاتينية لديها قوانين أكثر صرامة في ما يتعلق بقتل الإناث مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم، ولكن هذه القوانين لم تُحدث تغييرًا يذكر.
في المكسيك، حيث تُقتل تسع نساء يومياً، تنتهي فقط 1% من جرائم قتل الإناث بالإدانة، وهو معدل مماثل لجميع جرائم القتل.
العنف في أرقام
وفقاً للبنك الدولي، تعرضت نحو ثلث النساء على مستوى العالم للاعتداء الجسدي أو النفسي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل خلال حياتهن، مقابل نحو خمس النساء في البلدان الغنية.
ترتكب الغالبية العظمى من هذه الاعتداءات من قبل شركاء حميمين حاليين أو سابقين، وتبرز بعض البلدان في أمريكا اللاتينية بمعدلات مرتفعة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتقول نحو 60% من النساء في بوليفيا إنهن تعرضن للإساءة الجسدية من قبل شركائهن، بينما تبلغ النسبة 40% في الإكوادور.
الإفلات من العقاب
يعد الإفلات من العقاب أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار العنف، في بعض الحالات يتمكن الجناة من النجاة من العقاب بفضل علاقاتهم بالسياسيين أو المحامين أو عصابات المخدرات.
وتؤكد ويندي فيجيروا موراليس، مديرة شبكة الملاجئ للنساء في المكسيك، أن أكثر من ثُلث الذين لجؤوا إلى ملاذاتها تعرضوا للإساءة من رجال مرتبطين بالجريمة المنظمة أو السياسة.
في إحدى الحالات التي وصلت إلى المحكمة العليا في المكسيك عام 2015، تمكن قاتل يعمل في مكتب المدعي العام من تمرير وفاة زوجته على أنها انتحار.
وفي سياق آخر، يجري التحقيق مع الرئيس البوليفي السابق، إيفو موراليس، بتهمة اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا، التي أنجبت طفله لاحقًا، حيث يصف موراليس هذه المزاعم بأنها "اضطهاد سياسي".
نظرة اجتماعية وثقافية
تُظهر دراسة أجرتها منظمة أوكسفام عام 2017 على نحو 5000 شاب وشابة في أمريكا اللاتينية أن ثلثي الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً يعتقدون أن كلمة "لا" تعني "نعم".
وفي استطلاع للرأي أُجري العام الماضي، وافق نحو 40% من البيروفيين على أن المرأة يجب أن تحصل على إذن شريكها قبل مغادرة المنزل.
وفي استطلاع آخر، قال نحو ثلث المستطلعين إن المرأة تتحمل بعض اللوم إذا ذهبت إلى حفلة بمفردها وتعرضت للاغتصاب.
العوامل الاجتماعية والاقتصادية
ويرتبط العنف ضد النساء في أمريكا اللاتينية، بالفقر واستهلاك الكحول وانخفاض مستويات التعليم بمستويات أعلى من العنف، وتتعرض النساء المهاجرات عبر طرق الهجرة لمخاطر خاصة.
وقد وثّق دييغو باتيستيسا من جامعة كارلوس الثالث في مدريد وفاة أو قتل أو اختفاء ما لا يقل عن 500 امرأة فنزويلية على طول طرق الهجرة منذ سبتمبر 2019، مع احتمال أن يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير.
تشير الجمعيات الخيرية إلى أن مستوى العنف الجنسي في فجوة دارين، وهي منطقة خطيرة بين كولومبيا وبنما، يعادل ما يتم ملاحظته في مناطق الحرب، ما يعكس خطورة الوضع بالنسبة للمهاجرين.
خطوات نحو التغيير
رغم هذه التحديات، يُظهر الاستثمار الحكومي في الخطوط الساخنة وحملات التوعية بعض التقدم، حيث أبلغ المزيد من الناس عن انتهاكات حقوقهم، ولكن لا تزال هناك فجوة كبيرة في استخدام بيانات الشكاوى السابقة عند التحقيق في جرائم قتل النساء، حيث تستخدم ثلاث دول فقط من أصل 19 دولة في أمريكا اللاتينية هذه البيانات.
وفي أوروجواي، قدمت حوالي 37% من النساء اللاتي تعرضن للقتل شكاوى رسمية قبل أن يقتلهن شركاؤهن.
تتطلب معالجة العنف ضد النساء في أمريكا اللاتينية تغييرات جوهرية في السياسات الاجتماعية والثقافية، ويجب أن تتجاوز الحكومات مجرد سن القوانين وتطبيقها، بل يتعين عليها أيضًا تعزيز وعي المجتمع وتعليم حقوق النساء، مع العمل على توفير بيئة آمنة تدعم الضحايا وتضمن محاسبة المعتدين.